¤!||!¤ ثقافة الفساد ¤!||!¤

بسم الله الرحمن الرحيم

أيها الأخوة الكرام الأفاضل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد

لكل شيءٍ في هذه الحياة ثقافة يسير عليها، وجُنداً ترعاه وتدافع عنه، ومنهجاً يستقيم به؛ بغض النظر عن صلاح هذا المنهج أو فساده، وله مبادئ تنهار تحتها الأرواح وتُراق لها الدماء.

حديثي اليوم أيها الأخوة الأحباب عن الثقافة المخالفة للفطرة، والبرق الذي يسبق عاصفة الدمار، وبداية النهاية لمشروعٍ نجني بعده الذل والمهانة، ونُجبر على السير في ردهات الظلام؛ سير القهقرا، إنها ثقافة الفساد . .
فماذا نعني بثقافة الفساد؟
وكيف تنشأ هذه الثقافة بيننا كأفرادٍ ومجتمعات؟
وكيف نستطيع التخلص منها؟

( سأتحدث أيها الكرام عن هذه الثقافة في نطاق الأفراد ونفسياتهم، أو الأصدقاء مع أصدقائهم أو مجموعة من الشخصيات التي تعمل في مكانٍ واحد ويظهر نتاجها، ثم تتفشى بينهم هذه الثقافة )

إن ثقافة الفساد هي عبارة عن أفكار هدَّامة وقناعات مائلة ومفاهيم مغلوطة وتصورات خاطئة ومبادئ منحرفة عن المنهج الصحيح تبرِّرُ الفساد وتجعل له مشروعية بعسف الأدلة الربانية والسنن الكونية، بل وتمنحه حصانة قوية ورواجاً في وسائل النشر، وتحارب كل مُعادٍ له فكراً وإيماناً وتوجهاً ، وربما يُغوى الشرفاء بهذه الثقافة فتتبدل الأسماء والمعان التي يتحدثون بها، فيصبح الدفاع عن الحق أنانيةً، ورد الأذى تدخل في الخصوصيات، ومنع الفكر المنحرف تطاول على الحقوق، والحفاظ على الهوية الإسلامية تخلف يجب الخلاص منه، والسماع من طرفٍ واحد عقلانية، والوقوع على مواطن الضعف بالهمز واللمز والتجريح دون مبالاة إصلاح ... وهناك الكثير من هذه المسميات التي تختلف باختلاف نفسية أصحابها .

- وأما عن كيف تنشأ هذه الثقافة؛ فهناك أمور عدة قد لا أحصيها، ولكن لكل متبصِّر وحاذق فكرٌ يستطيع أن يميز به هذا الاتجاه وأهله.
إن من أكبر الدعم لمثل هذه الثقافات هو السكوت عنها، وعدم ردعها أولاً بأول، لأنه استفحلت ونمت وظهر عودها وتبلورت مبادئها، أصبح الصراع معها قوياً و عنيفاً لامتلاكها أفكاراً جديدة وأعداداً متزايدة من المؤيدين، فأصحابُ هذه الثقافة ممن يعملون في الخفاء كما يعمل النمل الأبيض فلا ترى لهم أثراً حتى يتم تدمير مواطن القوة في البنيان، بل ويفعلون كما يفعل السرطان في الجسد، فلا يتم التعرف عليه إلا بعد انتشاره في الجسد، وهؤلاء يجمعون أنصارهم في الظلام وينظمون صفوفهم في الخلف حتى يقوى عصبهم فيبادرون بالطعن من الخلف، والضرب من تحت الحزام، ويستخدمون كل سلطة في أيديهم، وكل صوتٍ يخدم أفكارهم حتى لو كان هذا الصوت من أغبياء لا يدرون عما يتحدثون.. والعجب أن أصحاب الحق في سباتهم نائمون، لأنهم متكلين على الله التوكل الفارغ البعيد عن العمل، ولم يكن التوكل يوماً؛ الامتناع عن العمل بل كما قال عليه الصلاة والسلام للأعرابي : " اعقلها وتوكل على الله "، ولقد تألم أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أمثال هؤلاء النائمون واستعاذ بالله منهم حين قال: اللهم إني أعوذ بك من جلد الفاجر وعجز الثقة.

- ومما يزيد انتشار هذه الثقافة وضع الأمور في غير نصابها، وارتفاع الأقزام إلى حيث لا يبطِئون الإنتاج وحسب، بل وينشرون والفرقة والاختلاف وهي كما ذكرت في موضوعٍ سابق بأنها بداية النهاية .

- كذلك؛ إعطاء أصحاب الفهم السقيم فضيلة التميز، ورفعه فوق سقفه وتعديه الحدِّ المعقول.

- ومنها ضآلة الفهم وخبوت الهمم وعدم فتح أفق للتفكير، والقناعة بالدون ، ولله در المتنبي حين أنشد قائلاً :
ولم أرى في عيوب الناس عيباً ***** كنقص القادرين على التمام

- ومنها سياسة الهروب أو كما يقول الأخوة المصريين " اشتري دماغك ترتاح "، فنكتشف ساعة الحاجة أن كثيراً ممن كُنا نعوِّل عليهم ونعدهم وننتظر منهم العون غثاء كثاء السيل، وقد قيل في الأمثال: كلما اعتلى القرد فوق الشجرة هرباً؛ كلما انكشفت مؤخرته أكثر.

- ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: " إنها ستأتي على الناس سنون خداعة، يُصدَّقُ فيها الكاذب، ويكذَّبُ فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة " قيل: وما الرويبضة؟ قال: السفيه يتكلم في أمر العامة.
وفي اللغة أن الرويبضة تصغير الرابضة: وهو العاجز الذي ربض عن معالي الأمور وقعد عن طلبها، والتافه الخسيس الحقير.

- ومنها البعد عن منبع التشريع قراءةً وفهماً وحفظاً وسماعاً، والتحاكم إلى غيره، وهنا اشتكى الصادق الأمين عليه الصلاة والتسليم لله كما في سورة الفرقان: " وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا ** وكذلك جعلنا لكل نبيٍّ عدواً من المجرمين، وكفى بربك هادياً ونصيرا ".

إنه ليس أشقى ممن يعيش في هذه الحياة ولا يدري لم جاء، أو لم يذهب، فتراه في الأرض حيران خالي من الهمم، يشق طريقه فريداً وحيداً، أو إمِّعه إن أحسن الناس أحسن وإن فسد الناس فسد! ومن هؤلاء الناس من يبدوا عظيماً ضخماً وكبيراً قوياً، ولكنه في الحقيقة هشٌّ سريع العطب كشعلة الهشيم التي تشتعل سريعاً في السماء ولكنها سرعان ما تخبو وتستحيل إلى رماد، لا كمن يكون كالجمرة الذكية التي تنفع وتُدفئ وتستمر في توهجها زمناً.

إن أجمل ملخصٍ لهذا المقال هو أننا بعدنا كثيراً عن الإسلام العاصم من القواصم، ومن أبعد حياته عن هذا المنهج القويم فقد أسنت حياته، وتعفنت أفكاره، وغاب عن وعيه الحقيقي، وكان كالريشة في مهب الريح أينما الريحُ تُميِّلها تمل.

وأما عن كيفية الخلاص من هذه الثقافة الفاسدة، فلن أتحدث وسأدع المجال لفكرك أيها القارئ، فربما يرسو بك في شاطئ الأمان بإذن الله تعالى ، يقول الشيخ يوسف القرضاوي شفاه الله من الأذى :

إنا نتوق لألُسنٍ بُكُمٌ على أيدٍ فصاح ***** لا يُصنعُ الأبطــال إلا في مســاجدنا الفســاح
شعبٌ بلا عقيدةٍ تذرِّيهِ الريـــاح ***** من خان حيَّ على الصلاة؛ يخونُ حيَّ على الكفاح

دمتم بخير