رؤيــة الأهـــــــــداف

بسم الله الرحمن الرحيم

إن أكثر الناس رؤيةً لأهدافهم في هذه الحياة منذ بدأ الله الخليقة هم الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه . ولذا فهم أفضل من يقدم الرؤية الجلية للأهداف القيادية التي تقودنا إلى الأمل المشرق في حياةٍ كلها عثرات ومحن .

سأل النبي صلى الله عليه وسلم ذات صباح أحد صحابته وهو حارثة رضي الله عنه فقال : كيف أصبحت يا حارثة ؟
فقال حارثة : أصبحت مؤمناً حقاً يا رسول الله .
فقال عليه السلام : يا حارثة انظر ما تقول، وإن لكل قول حقيقة، فما هي حقيقة إيمانك؟
فقال حارثة : عزفت نفسي عند الدنيا فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزًا، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون، وإلى أهل النار يتضاغون فيها .
فقال عليه الصلاة والسلام : يا حارثة عرفت فالزم .

ونراه عليه الصلاة والسلام في موقفٍ آخر يقول : من أراد أن ينظر إلى رجلٍ من أهل الجنة فلينظر إلى حارثة .

لو تأملنا في هذا الحديث الشريف لوجدنا فيه الفوائد العديدة ، ولكني سأركز النظر إلى الفائدة التي تخص موضوعنا هنا ..
حيث أن الصحابي الجليل حارثة حدد رؤيته للهدف بطريقة مركزة لدرجة أنه أصبح يصف ما يهدف إليه فقال : رأيت عرش الرحمن بارزاً ، ونظرت إلى أهل الجنة يتزاورون ، ونظرت إلى أهل النار يتضاغون .
ومن رأى أهدافه بتفاصيلها قبل أن تتحقق فإنه لا يتأثر بالعقبات ولا ينظر إليها ولا يحس بها لأنها ليست من اهتماماته ، وقد قيل : إن العقبات هي كل ما تراه عندما تُبعِد نظرك عن هدفك .

أخي الحبيب أختي النبيلة
إنه من المؤسف أن نعيش السنوات الطوال دون أهداف نخطو إليها بخطىً ثابتة ..
إن لنا في رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام أكبر العظة ؛ فها هو في حفر الخندق يقول كما روي عن البراء بن عازب قال: ((أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق قال: وعرض لنا صخرة في مكان من الخندق لا تأخذ فيها المعاول قال: فشكوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رسول الله - قال عوف: وأحسبه قال: وضع ثوبه ثم هبط - إلى الصخرة فأخذ المعول فقال: باسم الله فضرب ضربة فكسر ثلث الحجر وقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام والله إني لأبصر قصورها الحمر من مكاني هذا ثم قال: باسم الله وضرب أخرى فكسر ثلث الحجر فقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس والله إني لأبصر المدائن وأبصر قصرها الأبيض من مكاني هذا ثم قال: باسم الله وضرب ضربة أخرى فقلع بقية الحجر فقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا))
أنظر أخي الكريم أختي الكريمة إلى هذه الرؤية الواضحة للهدف ؛ ففي حالة الضيق والضنك والتعب والجوع والعطش والخوف إلا أن النبي الكريم يعلمنا رؤية الهدف بعينٍ لا يجفوها الغبار ، ترى في المحنة كما ترى في الصفاء ..
وانظر إلى الوصف لهذه الأهداف ، ونسيان التعب والعوائق وعدم الركون إليها لكي لا تخذلهم .
يقول الله تعالى (( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ... )) .

ويقال في الأمثال أن أحد الملوك أراد أن ينصِّب أحد أبنائه الثلاثة للملك بعده ، وقد احتار أيهم يختار ؟؟
فقرر أن يختبرهم ، ووضع لهم نشاناً على شجرةٍ بعيدة وقال لابنه الأكبر : صوُّب على هذا النشان وقبل أن تطلق سهمك أخبرني لأني أريد أن أسألك ، فلما استعد الابن الأكبر سأله أبوه ، ماذا ترى ؟؟
فقال الابن : أرى النشان يا أبي
قال : وماذا ايضاً ؟؟
قال : الشجرة .
قال الأب : وماذا أيضاً ؟
قال الابن : أرى أيضاً الراعي يا والدي .
فقال له : تنحى عني الآن .

وفي اليوم الثاني قال للابن الأوسط ما قاله للأكبر فقال : إني أرى النشان يا والدي .
فقال الأب : وماذا أيضاً ؟
قال الابن : وأرى الشجرة أيضاً .
فقال الأب : وماذا ترى أيضاً ؟؟
قال الابن : لا أرى شيئاً غيرها .
فقال له أبوه تنحى عني الآن .

وفي اليوم الثالث قال ما قاله للابن الأصغر ، فقال : إني أرى النشان يا والدي .
فقال أبوه : وماذا أيضاً ؟؟
قال : أرى النشان .
قال وماذا أيضاً ؟؟
قال الابن : لا أرى إلا النشان يا والدي .
فخلَّف الملك له لأنه أكثر دقة وتركيزاً ورؤية للهدف من أخويه .

وأنت أيها الأخ الكريم وأيتها الأخت الكريمة ..
ماذا حددتم من الأهداف وماذا خططتم لها وكيف قمتم بذلك ؟

يُقال .. لتحقيق الهدف تحقيقاً كاملاً ، فإنه يجب أن يكون في الوقت المناسب وفي المكان المناسب وبالطريقة المناسبة ، وإلا لما تحقق كاملا .